بقلم: الناشطة اجتماعية سارة السخني
وكالة الصياد الاخباري - عمان - في كل عام، وتحديدًا في الخامس والعشرين من أيار، تعود إلينا ذكرى استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، لا كحدث تاريخي عابر، بل كنبضٍ متجدد يُلهمنا، ويُحمّلنا مسؤولية مواصلة المسيرة.
هذا اليوم ليس مجرد استعادة لمشهد رفع العلم الأردني للمرة الأولى كرمز لدولة مستقلة عام 1946، بل هو تذكير بهوية وطن صُممت ملامحه بالتضحيات، وبُنيت مؤسساته بسواعد الأردنيين وقيادتهم الهاشمية الرشيدة.
من معان إلى عمان... البداية التي لم تكن عادية عام 1921، وصل الأمير عبد الله بن الحسين إلى مدينة معان، حاملاً معه راية الثورة العربية الكبرى وإرث والده الشريف الحسين بن علي. ما لبث أن بدأت تتشكل معالم الدولة الأردنية الحديثة عبر تأسيس إمارة شرق الأردن تحت الانتداب البريطاني، لكنها لم تكن إمارة شكلية، بل نواة لدولة عربية ذات مشروع وطني مستقل.
خلال ربع قرن، عمل الأردنيون على بناء مؤسسات الدولة، ووضعوا الأسس الإدارية، والقانونية، والتعليمية، والصحية، حتى جاء يوم الخامس والعشرين من أيار عام 1946، حين أعلن البرلمان الاستقلال، وبويع الأمير عبد الله ملكًا على المملكة الأردنية الهاشمية.
الملوك الهاشميون... لكل منهم بصمة في رسم ملامح الدولة
الملك عبد الله الأول: المؤسس الذي أطلق الحلم، ووحّد القبائل والمدن تحت راية الدولة، واستشهد دفاعًا عن القضية الفلسطينية.
الملك طلال: رسّخ النهج الدستوري، وأقرّ دستور 1952 الذي لا يزال إطارًا قانونيًا للحكم والفصل بين السلطات وضمان الحريات.
الملك الحسين بن طلال: باني الأردن الحديث، قاد البلاد خلال واحدة من أصعب فترات الإقليم، من نكبة فلسطين، إلى نكسة حزيران، وأحداث أيلول، لكنه أصر على أن تبقى الدولة صامدة، متماسكة، تسير نحو التنمية والتقدم.
الملك عبد الله الثاني: حامل لواء الإصلاح والتحديث، أطلق رؤى وطنية شاملة تركز على التنمية الاقتصادية، والتمكين السياسي، وتطوير القطاع العام، وتعزيز مكانة الشباب والمرأة.
الاستقلال ليس لحظة... بل مسار دائم من العمل والوعي
كناشطين اجتماعيين، وكشباب ونساء من هذا الوطن، نُدرك أن الاستقلال لا يُقاس فقط بإعلان سياسي أو وثيقة تاريخية، بل باستمرار قدرتنا على حماية وطننا، وترسيخ مؤسساته، وتجديد مشروعه القيمي الذي يجمع بين الانتماء، والحرية، والعدالة.
أنا سارة السخني، ابنة هذا الوطن الذي منحني أكثر من مجرد جنسية؛ منحني هوية. علمنا الأردن أن نصون كرامتنا بالعلم، وأن نواجه التحديات بالوعي، وأن نُصمم التغيير بالفعل لا بالانتظار.
من تجربتي في العمل المجتمعي والتدريبي، ومن خلال مشاركتي في محافل شبابية داخل وخارج الأردن، رأيت كيف يُحترم اسم هذا الوطن، وكيف يحمل الأردنيون صورتهم أمام العالم بإيمان وفخر. نحن لسنا دولة عابرة، نحن قصة صمود في وجه الجغرافيا والتحديات، وقصة شغف في عيون شبابه الطامحين.
الأردن اليوم... ما زال يستقل من جديد نعم، لأن الاستقلال في 2025 يعني أن نتحرر من التبعية، من التردد، من الخوف من التغيير. أن نُؤمن بمؤسساتنا، ونُشارك في بنائها لا فقط نقدها، وأن نُحمّل أنفسنا مسؤولية ما نطمح أن يكون.
نحن جيل جديد، لا نبحث عن وطن كامل، بل عن وطن مستمر بالتطور، وطن نكون فيه شركاء لا متفرجين.
في الختام...
أكتب كلماتي هذه، لا كمجرد سطور للاحتفاء، بل كعهد جديد أقطعه على نفسي كابنة لهذا الوطن:
أن أظل أوفي له بالكلمة، وبالرسالة، وبالعمل...
أن أحتفل بالاستقلال كما يجب، لا كذكرى، بل كواجب مستمر.
وأن أرفع صوتي دومًا من أجل أردن أقوى، أعدل، أوسع أفقًا، وأشد إنسانية.
كل عام والأردن بخير، حرًا، مستقلاً، ومضيئًا للأمة من قلبه الصغير الكبير.

