بقلم : م. عامر البشير
وكالة الصياد - الاخباري - عمان -
(الحلقة الثالثة، مسك الختام ورقة موقف) نحو قانون لا يُرهن السكن ولا يُقايض الكرامة
شكّل مشروع قانون ضريبة الابنية والاراضي لسنة 2025 عاصفة جدل فيما اعتبر نزع مُقنّع للملكية الفردية ووسيلة جباية مغلّفة بثوب التنظيم الضريبي اقدّم ورقة موقف سياسي من مشروع القانون تأتي في إطار النقاش العام المشروع، استنادًا إلى أحكام الدستور الأردني، وخاصة المادة (15) التي تكفل حرية الرأي والنقد البنّاء، ومن أجل قانون ضريبي عادل يعيد الاعتبار للعدالة والطبقة الوسطى.
مقدمة: القانون مرآة الدولة – فهل نرى فيها أنفسنا؟
إن القانون ليس نصًا محايدًا، بل انعكاسٌ عميق لفلسفة الدولة ومنظورها لمواطنيها. ومشروع قانون ضريبة الأبنية والأراضي لسنة 2025، في صيغته الحالية، لا يعكس عدالة تشريعية، بل يؤشّر لتحوّل مقلق في العلاقة بين المواطن والدولة: من الحماية إلى الخصومة، ومن الشراكة إلى الجباية.
نحن أمام لحظة اختبار دستوري وأخلاقي، لا فني وتقني؛ لحظة تستوجب إعادة بناء الثقة بين المواطن والقانون، على أسس من الإنصاف لا المحاسبة الجافة، ومن الرؤية الاجتماعية لا العقلية الجبائية.
من روح القانون إلى ضميره في جوهر كل تشريع عادل، يكمن سؤال وجودي لا تقني: هل القانون يحمي الإنسان، أم يحاصره؟ هل يُعيد توزيع الأعباء بعدل، أم يُكرّس اختلالات في الموازين؟ هل الضريبة تعبير عن الشراكة، أم قناع لعقلية الجباية؟.
إن مشروع القانون المطروح، بما احتواه من روحٍ غريبة عن فلسفة العدالة الاجتماعية، لم يكن سوى محاولة لقوننة إرهاق المواطن باسم تنظيم العلاقة الضريبية، وتجسيدٍ صريح لتحوّل الدولة من حارسٍ للمصالح العامة إلى خصمٍ في معادلة السكن والحفاظ على حقوق المواطنين.
فكما أن إكرام الميت دفنه، فإن إكرام هذا المشروع يكون بسحبه أو دفنه في أرشيف النسيان، لا تجميله بثوبٍ جديد، فالفكرة حين تكون فاسدة في أصلها، لا يصلحها الترميم.
أولًا: المنطلق السياسي – من الجباية إلى الشراكة
1 رفض مبدئي للمشروع رفض مشروع القانون بصيغته الحالية رفضًا مبدئيًا، لما يحمله من روح تمييزية تُحمّل المواطنين أعباء لا تستند إلى منفعة حقيقية، ولا تراعي تفاوت القدرات أو واقع الخدمات، وتُحوّل السكن من حقّ إلى عبء.
2 تثبيت الحق في السكن ضرورة تأكيد السكن كحق دستوري غير خاضع للجباية، إذ لا يجوز إخضاع من يسكن بيتًا موروثًا لنفس معايير من يملكه للاستثمار أو التأجير؛ لا مساواة في الظرف، فلا يجوز التسوية في التكليف.
3 تحويل فلسفة التكليف ضرورة الانتقال من "التكليف على الوجود" إلى "الضريبة على المنفعة"، بحيث يُربط العبء الضريبي بالاستخدام الاستثماري أو التجاري الحقيقي للعقار، لا بمجرد الحيازة الفيزيائية له.
ثانيًا: الشروط المرجعية لصياغة مشروع قانون جديد
هذه الشروط تُعدّ أرضية تفاوضية لا يمكن القفز فوقها في أي مسار تشريعي قادم:
1 المشروعية الدستورية كخط أحمر توافق تام مع المادة (111) من الدستور، والتي تُلزم بمراعاة العدالة، والقدرة على الأداء، والتدرج في التكليف، لا أن تكون الضريبة وسيلة لتعويض عجز ناجم عن سوء إدارة مالية.
2 فصل العقارات المسكونة عن المستثمرة إعفاء كامل ودائم للمساكن التي يقطنها أصحابها، لا سيما الورثة القُصّر، والمتقاعدين، والأرامل، وربط التكليف فقط بالعقارات المنتجة للربح.
3 اعتماد معيار "المنفعة والخدمة" الضريبة يجب أن تُبنى على قيمة مضافة وخدمة حقيقية عادت على المواطن، لا أن تكون جزاءً على امتلاك بيت للسكن.
4 عدالة جغرافية في التقدير والتكليف مراعاة الفروقات في أسعار الأراضي والخدمات بين المحافظات؛ فلا يجوز إسقاط نموذج عمان على الطفيلة، معان أو المفرق ومن في حكمهم.
5 نظام تقدير موحّد وشفاف استخدام مؤشرات رقمية موثقة (مثل نظم المعلومات الجغرافية GIS) ومنع الاجتهاد الفردي والدخول الميداني غير القانوني.
6 إشراك المواطنين عقد جلسات استماع ميدانية حقيقية في جميع المحافظات، تأكيدًا على مفهوم الشراكة، لا فرض الوصاية.
7 آليات طعن عادلة ومستقلة تأسيس هيئة طعن شبه قضائية، محايدة، تُجيز اللجوء إلى القضاء الإداري، وتُوقف التنفيذ لحين البت.
8 إعفاءات دائمة للفئات الأضعف ضمان إعفاءات قانونية دائمة للأرامل، والمتقاعدين، والقصّر، وأصحاب الدخل المحدود، بعيدا عن المزاج الإداري أو الانتقائية.
9 ربط الضريبة بالخدمة تخصيص نسبة من حصيلة الضريبة لتُعاد في شكل خدمات وبنية تحتية محلية، تحقيقًا للشرعية الأخلاقية.
10 مراجعة دورية كل خمس سنوات إصدار تقارير مستقلة لتقييم أثر القانون اجتماعيًا وعداليًا، لا الاكتفاء بالتحصيل الرقمي.
ثالثًا: التوصيات الإجرائية والمؤسسية
1 تشكيل لجنة وطنية متعددة الاختصاصات تضم خبراء في الاقتصاد، القانون، التخمين، وممثلين عن المجتمع المدني، لصياغة قانون جديد.
2 إعداد دراسة مقارنة الاستفادة من تجارب الدول الديمقراطية التي توازن بين العدالة والفعالية في الضريبة العقارية.
3 نشر المسودة للرأي العام طرح النص للرأي العام قبل إرساله إلى البرلمان، ترسيخًا للشفافية والمساءلة المجتمعية.
خاتمة: نحو عقدٍ اجتماعي جديد لا فاتورة إضافية
إننا لا نرفض الضريبة كمبدأ، بل نرفض أن تتحوّل إلى سلاحٍ ضدّ الفئات الأضعف، وإلى أداة لمحاصرة الطبقة الوسطى التي هي عماد المجتمع واستقراره.
نحن لا نطلب إعفاءً، بل نطالب بعدالة تحفظ الكرامة، لا نطلب استثناءً، بل قانونًا يراعي التفاوت، ولا يُكافئ تراكم الامتياز.
نُطالب بقانونٍ جديد يُكتب بروح الدولة الراعية، لا الدولة الجابية، قانونٍ لا يُبنى على أرقام جافة، بل على فلسفة تعترف بأن الوطن لا يُقاس بالمتر المربّع، بل بمن يسكنه، ومن يحميه، ومن يُحسن إليه لا بمعزل عن الذاكرة الوطنية.

