بقلم : حاتم الازرعي تحفل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بمناشدات تقطع نياط القلب لإنقاذ حياة مرضى يحتاجون للرعاية الطبية في لحظات حاسمة بين الحياة والموت ولا يجدون في المستشفيات غير الصد والتجاهل تحت مبررات وذرائع واهنة لا قيمة لها امام حياة انسان يواجه خطر الموت بحثا عن سرير او اختصاص طبي مفقود .
حالة المواطن الأردني نزار القادري تشكل نموذجا قاسيا للصراع مع الذات والآخر حين يكون مسؤولا بيده القرار ، فتضطر لمناشدته عل وعسى يرق لحالك ويتعاطف او يستجيب مكرها تحت ضغط الرأي العام او حين تتجاوز في المناشدة الى من هو اعلى منه ويمتلك قرار عزله .
القادري سدت في وجهه ابواب الامل في ايجاد سرير لابنته سيدرا البالغة من العمر احد عشر عاما ، فناشد جلالة الملك عبدالله الثاني ‐ حفظه الله ‐ لتأمين علاجها داخل المملكة بعد ان فشلت كل مناشداته لعدد من المسؤولين .
يقول القادري بألم وحرقه ان سيدرا "متواجده منذ اول يوم في رمضان في العناية المركزة في مستشفى الاميرة راية ، وهي بحاجه الى رعايه طبيه متخصصه غير متوفرة فيه ، وانه خاطب جميع المستشفيات التي تهربت من استقبال المريضه بحجه عدم توفر سرير في العنايه المركزه ".
ويتساءل القادري باستغراب واستهجان "ايعقل انه لا يوجد اسره او هي عدم مباله لدى مستشفيات المملكة ؟!" .
والسؤال الذي يطرحه القادري منطقي وموضوعي "أيعقل انه لا تتوفر أسرة عناية مركزة في مستشفياتنا " لاستيعاب طفلة واحدة ؟! واذا كان ذلك صحيحا ، فعن اي جاهزية لمستشفياتنا كان وزير الصحة الدكتور فراس الهواري يتحدث في تصريحات منشورة مطمئنا المواطن الأردني بأن لا خوف من كورونا ، بعد رفع جاهزية المستشفيات وتعزيزها بعدد كاف من أسرة العناية المركزة !! اين الحقيقة ؟؟ مطلوب من الوزير إيضاح حتى لا يتهم بمجافاة الحقيقة او انه كان يهرف بما لا يعرف !!.
ما علينا ، نتجاوز هذا السؤال الى ما هو أهم، هل المواطن الأردني بحاجة في حالات الخطر الذي يتهدد حياته الى مناشدة الوزير لتأمين سرير في مستشفى للحصول على رعاية طبية تنقذ حياته ؟! وحين لا يصل الصوت الوزير ، أو انه يصم اذانه كما في حالة الطفلة سيدرا ، هل من المعقول ان يضطر المواطن الى مناشدة الملك ‐ أعانه الله ‐ لتأمين سرير وتوفير سبل العلاج !؟ في اي نظام صحي يحدث ان يدفع الناس لمناشدة رأس الدولة للحصول على الرعاية الصحية ؟!! .
نعم وزير الصحة صم أذنيه عن سماع صوت والد سيدرا الى ان ناشد الاخير الملك ، فصحي الوزير من غفلته "واوعز بنقل طفلة مصابة بمرض ضمور العضلات المزمن من مستشفى الأميرة رحمة لطب الأطفال إلى مستشفى الملكة رانيا العبدالله للأطفال في مدينة الحسين الطبية ".
والاسئلة تبدأ من صرخة الاب المكلوم على حالة طفلته بين الحياة وخطر الموت المحدق بها ، ولا تنتهي بالايعاز بعلاجها ، ولم نعرف لمن اوعز الوزير ؟ ومتى ؟وكيف ؟ولماذا صمت الوزير طيلة الفترة الممتدة من اول ايام الشهر الفضيل حتى منتصفه ليستجب للمناشدة ؟.
سيدرا وجدت بعد أيام طويلة من المناشدة سريرا تلقي عليه جسدها المثخن بالمرض ، وجراح والدها المهزوم مكسور الخاطر ، فكم مثلها اطفالا وشبابا وشيابا ، يحتاجون في بلدي لمناشدة مسؤول مشغول لتامين رعاية طبية غائبة بانتظار المجهول ؟! .
والسؤال الكبير بحجم جراحنا وعمق معاناتنا ، هل يملك الانسان بطر الصبر الطويل حين يداهمه الخطر ويتهدد حياته ، بانتظار كلمة السر "اوعز " لتلقي الرعاية الطبية التي قد لا تأتي او تأتي بعد اسلام الروح لباريها ؟! وماذا لو لم يوعز الوزير بنقل الطفلة الى مستشفى تتوفر فيه الخدمة الطبية المطلوبة ، هل كانت الطفلة ستبقى مسجاة دون تقديم الخدمة الطبية التي تحتاجها ؟؟ .
واخيرا، أليس من المعيب على نظام صحي في دولة دخلت المئوية الثانية من عمرها ان لا يمتلك الاطباء وإدارات مستشفياتهم القدرة والصلاحية لإنقاذ حياة انسان دون انتظار الكلمة السر "اوعز " وهبوطها من فوق ؟! كم أشعر بالخجل والخوف والصدمة والريبة حين تصبح حياة الانسان معلقة بكلمة سر تصدر فقط من فم مسؤول يوعز وشرط ذلك ان يسبقه نشفان ريق من كثر المناشدة ؟! .
سيدرا ، يا عزيزتي ، اتمنى لك الشفاء من صميم قلبي المكلوم حسرة على بلد لا تقضى حاجات اهله الا بكلمات سر ومفاتيح لإنقاذ الحياة بيد من لا يقدرون قيمة الانسان وحقه في تلقي الرعاية بكرامة !!.
